رمضان ثالث حرب
يمنات
لطف الصراري
مرّ وقت طويل منذ فقد شهر رمضان تلك النكهة التي تسبقه بأيام. إلى ما قبل ثلاثين سنة مثلاً، كان أطفال اليمن يرددون “مرحب مرحب يا رمضان…”، بانتشاء يصل ذروته مع مغيب شمس آخر يوم من شعبان؛ “ليلة السمرة”. هذه الليلة تختصر الاطمئنان الرمضاني للوفرة، وفرة الزاد والخير والسكينة والقيم المرحّلة من كل شهور السنة إلى هذا الشهر.
وما إن تبدأ الركعة الأولى من صلاة التراويح، حتى يتكاثف الشعور الغامر بروحانية ليالي رمضان. وعلى الرغم من أن التاريخ الإسلامي القديم والحديث، حافل بالمعارك والحروب التي حدثت في شهر رمضان، إلا أن المجتمعات الإسلامية لم تتخل عن ابتكار عادات خاصة بالضيف المرحّب به دائماً، وكيفما كانت الأوضاع.
هذه السنة، استقبل اليمنيون ثالث رمضان على التوالي، وهم يعيشون تحت وطأة حرب لا تأبه لروحانية رمضان، ولا لسكينته الغامرة، ولا للعادات الخاصة التي بدونها يفقدون إحساسهم بمعنى الروح.
قبل كل رمضان من هذه الرمضانات الثلاثة، يتمنى الناس أن تتوقف الحرب، ولو لشهر واحد. يتمنون ذلك ويصدقون أمانيهم، ثم يبدؤون بتبادل الأحاديث عن وجود أخبار حقيقية بشأن إيقاف الحرب في رمضان. حدث ذلك العام الماضي والذي سبقه، وحدث في العام 2011، عندما كانت العاصمة صنعاء ترزح تحت وطأة التوتر والمواجهات العنيفة المتقطعة في الحصبة وجولة كنتاكي، وعندما كان الناس في عموم اليمن يترقبون انفراجاً سياسياً لثورة فبراير المغدورة.
ولأن ساسة العالم الممسكين بحبال الحرب يعرفون أمنيات الناس بالسلم الرمضاني، كحد أدنى لمزاعم السلام الشامل، ظلت تصريحات هؤلاء القادة تداعب أمنيات السلم ببضع كلمات غامضة عن هدنة رمضانية تمهيداً لعملية سلام شاملة. غير أن أمنيات السلام والكلمات الغامضة تتلاشى مع دخان أول صاروخ أو قذيفة تعلن استمرار الحرب.
هذا العام حلّ رمضان بدون أمنيات شعبية بهدنة أو بسلام من أي نوع. حتى الكلمات الغامضة التي حاول المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، أن يعيد بها أملاً مفقوداً بالسلام المتعذّر، انقلبت ضد زيارته الأخيرة إلى صنعاء. وسواء انقلبت ضد مساعيه عفوياً أو تم استخدام الجماهير لقلب طاولة المفاوضات المهجورة، فقد أعطت الانطباع للعالم بأن اليمنيين لم يعودوا يكترثون حتى لأمنياتهم بالسلام الكاذب. ورمضان الذي عشناه لعامين متتاليين تحت القصف والحصار والمواجهات الدامية، سنعيشه هذا العام، ليس فقط بروحانية وأمنيات متعذّرة، بل بجرعات هائلة من اليأس وفقدان الثقة بالداخل والخارج.
لا تقتصر حاجة الناس للسلم الرمضاني الذي يداعب الأمنيات، على الهدن غير المتحققة منذ سنتين ونصف، أو على التسويات السياسية المجهضة بالكلمات الغامضة والموت الواضح، هناك بالأحرى حقهم بتعويض عادل مقابل صيامهم الطويل بلا مرتبات وبلا أعمال وبلا قدرة على البقاء. التعويض المجزي الذي وعد صالح الصماد، موظفي الدولة بالحصول عليه قبل شهر رمضان، وترجمه صالح شعبان، بتوجيه مخجل بصرف نصف راتب، لم ينفذ حتى الليلة الأولى من الشهر الكريم.
أيها الداخل والخارج: إنكم تقتلون سلام الروح بالتزامن مع سفك الدماء وبلا مراعاة لأية حرمات. ما الذي أبقيتم عليه لأجل الله الذي تتحاربون باسمه وبأسماء أنبيائه!
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا